Connect with us

دولي

لماذا تحتاج أوروبا لأردوغان ؟

Published

on

لماذا تحتاج أوروبا لأردوغان ؟

في مشهدٍ يعكس تحولاً جذرياً في موازين القوى بين ضفتي المتوسط، لم يكن وقوف رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إلى جانب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة أواخر أكتوبر 2025 مجرد لقاء بروتوكولي، بل كان إعلاناً رسمياً عن دخول العلاقات الأوروبية التركية عصراً جديداً عنوانه “الواقعية السياسية” والمصالح الأمنية المشتركة.

هذا التحول، الذي توجته صفقة طائرات “يوروفايتر تايفون” التاريخية بقيمة 10.7 مليارات دولار، جاء ليطوي صفحة سنوات من الفتور والانتقادات الأوروبية اللاذعة، معلناً اعتراف القارة العجوز بأن تركيا لم تعد مجرد “شريك صعب”، بل غدت “القلب النابض” لأمنها واستقرارها الإستراتيجي.

من العزلة إلى الشراكة الإستراتيجية

بعد سنوات من التقارير البرلمانية الأوروبية شديدة اللهجة التي اتهمت أنقرة بالابتعاد عن القيم الغربية، تبدلت اللغة الدبلوماسية بشكل درامي؛ فمنذ منتصف عام 2023، بدأ الاتحاد الأوروبي في صياغة خطط لإصلاح العلاقات، وصولاً إلى زيارة المستشار الألماني فريدريش ميرتس لأنقرة في أكتوبر الماضي، حيث أقرّ من قلب العاصمة التركية بأنه لا سبيل لأوروبا لتجنب شراكة عميقة مع تركيا لمواجهة التحديات العالمية الناشئة. حتى الخصوم التاريخيين، مثل قبرص اليونانية، بدأوا في تليين مواقفهم، مع دعوات لـ “احتضان” تركيا كشرط لضمان استقرار المنطقة.

دوافع التحول: الأمن والطاقة والجغرافيا

لم يكن هذا التقارب وليد صدفة، بل فرضته حتميات جيوسياسية وأمنية ملحة، يمكن تلخيص أبرز دوافعها فيما يلي:

  • ثقل عسكري لا يمكن تجاهله: تمتلك تركيا ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الناتو، وقد أثبتت جدارتها كحائط صد أمام “العدوانية” الروسية، خاصة مع تزويدها للحلف بنحو 67% من المعلومات الاستخباراتية في البحر الأسود.

  • نفوذ إقليمي متزايد: رسخت أنقرة حضورها كلاعب محوري في ملفات الشرق الأوسط، لا سيما بعد سقوط نظام الأسد في سوريا وتولي حكومة مدعومة من تركيا السلطة، مما جعل مفاتيح الأمن الإقليمي بيد أنقرة.

  • استقلال إستراتيجي: نجحت تركيا في لعب دور الوسيط المستقل بين الناتو وروسيا، وهو ما جعلها تؤدي وظائف دبلوماسية يعجز الأوروبيون عن القيام بها دون إثارة تصعيد مباشر مع موسكو.

قلب القارة الصناعي واللوجستي

تتجاوز أهمية تركيا الجانب الدفاعي لتصل إلى عمق الاقتصاد الأوروبي؛ فأنقرة اليوم هي خامس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي بحجم تبادل تجاوز 210 مليارات يورو. وبينما تسعى أوروبا لتأمين مصادر بديلة للطاقة، تبرز تركيا كـ “جسر طاقة” لا غنى عنه، ينقل الغاز من أذربيجان وآسيا الوسطى إلى الأسواق الأوروبية، مع طموح تركي للتحول إلى مركز إقليمي لتوزيع الغاز الطبيعي المسال.

صناعياً، أصبحت الدفاعات التركية —خاصة الطائرات المسيرة مثل “بيرقدار”— جزءاً لا يتجزأ من منظومة الردع الأوروبية، حيث باتت دول مثل بولندا وإيطاليا وإسبانيا تنظر للصناعة الدفاعية التركية كمكمل للإنتاج الأوروبي، بل وتنافس في جودتها وتكلفتها الموردين التقليديين.

مستقبل محفوف بالتباينات

رغم هذا الزخم، لا تزال العلاقات التركية الأوروبية تسير في حقل من الألغام السياسية؛ فبينما تدفع دول مثل بولندا وإسبانيا نحو اندماج أعمق، لا تزال فرنسا واليونان تنظران بريبة للطموحات التركية، وتعتبرانها منافساً جيوسياسياً في أفريقيا والبحر المتوسط.

ومع ذلك، تبقى صفقة “يوروفايتر” شاهداً على أن أوروبا قد اختارت “البراغماتية” على “الأيديولوجيا”؛ ففي عالم مضطرب، يبدو أن دمج تركيا في المنظومة الأمنية الأوروبية بات ضرورة للبقاء، أكثر منه خياراً سياسياً، مما يضع أنقرة في أقوى موقع تفاوضي لها مع الغرب منذ عقود.

المصدر: الجزيرة + مواقع إلكترونية

فيسبوك

Advertisement