Connect with us

اخر الاخبار

مهرجان التوليب… ملايين الأزهار للجمال والسلام في تركيا

Published

on

مهرجان التوليب... ملايين الأزهار للجمال والسلام في تركيا

 

لكن الأجمل في وصفها أنها رمز للسلام والمحبة والجمال. ويا له من أمر رائع أن يكون الخلاف بين الدول والشعوب حول أصل زهرة، أو أسبقية صناعة عطر، أو التنافس على إصدار كتاب أو إنتاج فيلم… لا حول الهيمنة والتسلح وفرض القوة على الضعفاء، الأمر الذي يؤدي إلى حصار وتجويع الشعوب، كما يحدث في غزة، وشهدناه في أفريقيا، وقد نشهده في مناطق أخرى، ما دام العالم بعيدًا عن القانون والعدل وحقوق الشعوب.

وفي هذا السياق، يتجدد سنويًا الجدل بين تركيا وهولندا حول الموطن الأصلي لزهرة التوليب، وهو نقاش حضاري تصاعد منذ عام 2005، عندما بدأت تركيا في استعادة رمزها التاريخي بزراعة 600 ألف بصلة توليب، ثم ضاعفت العدد والمساحات لتصل إلى زراعة 26 مليون زهرة سنويًا، وتحتفي بهذه الزهرة بمهرجان يمتد لشهرين ويبدأ في شهر أبريل/نيسان من كل عام.

من يعرف عقلية الأتراك، يدرك مدى حرصهم على الدفاع عن رموزهم الثقافية وهويتهم التاريخية.

فمجرد الإشارة، على سبيل المثال، إلى أن الشاورما “الدونير” أصلها سوري، كفيل بإثارة نقاشات مطولة وحجج تاريخية تؤكد، وفقًا للرواية التركية، أن أهل الشام نقلوها عن العثمانيين. وينطبق هذا النقاش على العديد من الأطعمة والعادات والتقاليد الاجتماعية المتشابهة، نظرًا للجغرافيا والتاريخ المشترك والتداخل الثقافي بين الشعبين العربي والتركي.

وينطبق الأمر نفسه على زهرة التوليب، التي تتخذها بلدية إسطنبول الكبرى شعارًا لها.

فبمجرد سؤال الخبير والمرشد السياحي التركي، سردار دونميز، عن أصل زهرة “اللالي”، بدأ يؤكد بثقة أن جذورها عثمانية، موضحًا أن الأتراك نقلوها من موطنها الأصلي في آسيا الوسطى إلى الأناضول، لتنتشر لاحقًا في جميع أنحاء الدولة العثمانية، بما في ذلك المناطق التي كانت تحت حكم الخلافة. ويشير دونميز إلى أن كل ذلك سبق وصول الزهرة إلى أوروبا في القرن السادس عشر.

ويضيف دونميز، مستندًا إلى تواريخ موثقة، أن إحدى فترات الدولة العثمانية عُرفت بـ”عهد التوليب”، بين عامي 1718 و1730، وهي فترة تميزت بالهدوء بعد توقيع معاهدة سلام مع الإمبراطورية النمساوية، مما سمح للعثمانيين بالتفرغ للفنون والترجمة والتوثيق والزراعة، لتصبح التوليب رمزًا لمرحلة ثقافية غنية في التاريخ العثماني.

ويوضح الخبير التركي المتخصص في السياحة ومرافقة الوفود الأوروبية، أن السلطان سليمان القانوني أهدى زهرة التوليب “اللالي” إلى ملك هولندا في القرن السادس عشر، وقد أعجب بها وأمر بزراعتها، لتتحول هولندا لاحقًا إلى المركز الأول عالميًا في زراعة وتصدير هذه الزهرة. لكن، وبعد سنوات من الإهمال والاعتماد على استيراد الزهور، عادت تركيا بقوة إلى هذا القطاع، وأصبحت اليوم من الدول المصدرة للزهور، ومنها التوليب، إلى أكثر من 55 دولة حول العالم.

بل يُرجح أن غالبية الورود الجورية المنتشرة في أوروبا، بألوانها المختلفة، منشؤها تركي، خاصة في عيد الحب، حيث تصدر تركيا زهورًا بنحو 80 مليون دولار في هذه المناسبة وحدها.

ويشير دونميز إلى أنه، منذ عام 2005، بدأت “حقوق التوليب تُعاد لأهلها”، على حد تعبيره، من خلال إطلاق مهرجان سنوي يمتد لشهرين، تُزرع خلاله زهرة التوليب بألوانها المختلفة في معظم الولايات التركية، وفي مقدمتها إسطنبول.

وتتحول الشوارع والساحات والحدائق الكبرى إلى لوحات طبيعية ملونة بالتوليب، تجذب أنظار السكان والسياح على حد سواء، إذ يُعدّ الموسم بداية فعلية للترويج السياحي، وترافقه عروض مشجعة تقدمها تركيا بهدف تعزيز الجذب وزيادة عدد الزوار.

إبراهيم، البالغ من العمر 50 عامًا، مدير منشأة “بامبي” السياحية في حي الفاتح الذي يُعد من أبرز مناطق إسطنبول التي تحتضن مساحات واسعة من زهور “اللالي”، خاصة في المنطقة الممتدة بين الجامع الأزرق وآيا صوفيا، بالإضافة إلى شوارع “أكسراي” المزهرة بألوان التوليب وتشكيلاتها الجمالية، يوضح أن مهرجان التوليب لا يقتصر فقط على زراعة الزهرة.
ويقول إبراهيم: “فعاليات مهرجان التوليب متنوعة وتتجدد كل عام، باستثناء عامي الجائحة، حيث توقفت الأنشطة.

وإلى جانب الزراعة المكثفة للتوليب في كبريات الحدائق والساحات، يتضمن المهرجان معارض فنية، وأخرى للصور الفوتوغرافية، بالإضافة إلى عروض موسيقية ومسرحية، وفقرات من الفولكلور الشعبي التركي. ومن أبرز الفعاليات أيضًا، عرض سجادة التوليب الضخمة، والتي تُصمم عبر غرس عدد هائل من الأزهار لتشكيل لوحة فنية مبهرة”.

وقد تصدرت حديقة أميرجان هذا العام في عدد بصيلات التوليب المزروعة، حيث استقبلت نحو مليونين و800 ألف زهرة.

ويضيف إبراهيم أن مهرجان التوليب في إسطنبول لا يُقام في موقع واحد محدد، بل يتوزع على عدد من المواقع الرئيسية التي تزدان بلوحات من زهور “اللالي” وسجاجيدها الطبيعية، بالإضافة إلى الحدائق الكبرى التي خُصصت هذا العام للاحتفال.

ويوضح أن بلديات إسطنبول تزرع التوليب في مختلف أنحاء الولاية، من الأحياء السكنية والحدائق العامة إلى جوانب الطرق، ما يمنح المدينة طابعًا بصريًا ساحرًا طوال موسم الزهرة.

أما مركز المهرجان هذا العام، فيتمثل في حديقة “أميرجان”، إحدى أكبر وأقدم الحدائق التاريخية في إسطنبول، الواقعة في منطقة “سارير” والمطلة على مضيق البوسفور. كما تُعد ساحة السلطان أحمد، الممتدة بين جامعي آيا صوفيا والأزرق، من أبرز مواقع المهرجان، إلى جانب حديقة غولهانة القريبة من قصر “توب كابي”، والتي كانت تقع ضمن أراضي القصر العثماني.

وفي القسم الآسيوي، تبرز تلة العرائس (تشاملجا)، وهي حديقة واسعة ترتفع فوق المدينة وتوفر إطلالة بانورامية خلابة على إسطنبول.

ويقدم إبراهيم معلومتين لافتتين في سياق الحديث عن التوليب: أولاً، أن ولاية “مانيسا” غرب تركيا تُعد الأقدم والأكثر إنتاجًا وتوزيعًا لبصيلات التوليب. ويؤكد أن من يعتدي على الزهرة أو يقتلع بصيلتها يُغرّم بما يقارب 42 ألف ليرة تركية (نحو 1050 دولارًا)، مشيرًا إلى وجود مديريات متخصصة لحماية الزهرة تُعرف باسم “Tulipa orphanidea”.

ثانيًا، أن مهرجان التوليب يُنظم في توقيت واحد خلال شهر أبريل/نيسان في عدد من الدول التي أصبحت موطنًا لهذه الزهرة، مثل كندا والصين والولايات المتحدة.

ومع ذلك، تبقى تركيا وهولندا الأبرزين في زراعة التوليب والاحتفاء به، رغم الخلاف المستمر بينهما حول الموطن الأصلي للزهرة التي ترمز عالميًا للمحبة والسلام والجمال.

Continue Reading
Advertisement

فيسبوك

Advertisement