مقالات وتقارير
إسرائيل صنفت نفسها كأكبر تهديد أمني لدول الخليج

لقد تجاوز اغتيال إسرائيل لمفاوضي حماس في الدوحة هذا الأسبوع خطاً لا يمكن حتى لأقرب شركائها العرب تجاهله. فلطالما بررت إسرائيل الضربات الاستباقية والخارجية على أنها ضرورية لأمنها. وعلى مدار عامين، رداً على هجمات 7 أكتوبر التي شنتها حماس، ضربت 6 دول في المنطقة سعياً للقضاء على جميع التهديدات لأمنها.
لكن ضرب عاصمة قطر، وهي مملكة خليجية ثرية، وشريك أمني وحليف غير عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو) للولايات المتحدة، وموقع مفاوضات مضنية بين إسرائيل وحماس بناء على طلب واشنطن، ليس مجرد عملية قتل مستهدفة أخرى. إنه يمثل تحولاً جوهرياً حيث لم تعد الدول العربية ترى إيران على أنها المزعزع الرئيسي الوحيد للاستقرار في المنطقة، بل يرون إسرائيل على أنها هي المزعزعة للاستقرار، ورمزية الضربة ستترك أثاراً طويلة المدى.
لطالما كانت إسرائيل تُكنّ استياء تجاه قطر. ففي إطار صفقة وافقت عليها الولايات المتحدة وإسرائيل، أرسلت الدوحة أموالاً إلى غزة لسنوات سعياً لتحقيق الاستقرار في المنطقة. وبعد 7 أكتوبر أعاد المسؤولون الإسرائيليون صياغة هذا الاتفاق على أنه يُمكّن حماس والهجمات على إسرائيل. وعندما كُشفت فضيحة مبنية على مزاعم بأن مقرّبين من نتنياهو تلقوا أموالاً قطرية للضغط لصالحها، أصبح إحباط إسرائيل من الدوحة أكثر وضوحاً.
لقد عرّفت دول الخليج الأمن الإقليمي لعقود من منظور إيران، خوفاً من برنامجها النووي، ورعايتها لميليشيات “محور المقاومة”. أما اليوم، فقد أعادت حملات إسرائيل الجامحة في غزة وتصعيد عملياتها في الضفة الغربية واستمرار التصعيد في لبنان وسوريا وقطر صياغة هذا الحوار.
وتستنتج الدول العربية أن إسرائيل تُمثل الآن أكبر تهديد لاستقرار المنطقة. وربما تستنتج هذه الدول أن تقدير نفوذ وتهديد إيران مبالغ به. أما إسرائيل فقد ازدادت أفعالها جرأة على حساب الأعراف التي افترض القادة العرب أنها لا تزال تحكم منطقتهم.
وقد عزز التقاعس الأمريكي هذا التصور. فقد رفضت كل من إدارتي بايدن وترامب كبح جماح الهجمات العسكرية الإسرائيلية. وستجبر الضربة الموجهة ضد قطر حكام الخليج على التعامل مع حقيقة أن واشنطن تبدو غير راغبة أو غير قادرة على كبح جماح أقرب حلفائها.
ولطالما خشيت دول الخليج من تحول التركيز الاستراتيجي للولايات المتحدة نحو آسيا. وهم يتذكرون بوضوح كيف فشلت الدفاعات الأمريكية في وقف الهجوم الإيراني على السعودية عام 2019، ويشهدون اليوم عدم الرغبة في كبح جماح إسرائيل. والنتيجة هي شعور بأن الضمانات الأمنية آخذة في التآكل. وكان الهدف من اتفاقيات إبراهيم وجهود التطبيع المقترحة إدارة الأمن الإقليمي. لكن هذه الخطط اليوم في ظل استمرار الوضع في غزة دون هوادة لم تعد قابلة للتطبيق.
وردًا على ذلك من المرجح أن يُعمّق قادة الخليج التعاون فيما بينهم، ويسرّعوا جهودهم لتنويع شراكاتهم الخارجية والأمنية، والحفاظ على علاقات اقتصادية قوية مع الصين، وتوسيع التعاون الدفاعي مع تركيا، وإعادة تقييم احتمالات التطبيع المبهمة مع إسرائيل. أما بالنسبة للدول التي سعت طويلاً إلى موازنة علاقاتها مع إسرائيل والولايات المتحدة، في ظلّ الرأي العام المحلي والحساسيات الإقليمية، فقد زاد الهجوم من صعوبة هذه المهمة الدقيقة أصلاً.
في الوقت نفسه يواصل حكام الخليج سعيهم نحو استقلالية استراتيجية أكبر، ويزداد عزمهم على التحوط من مخاطر الاعتماد على الولايات المتحدة. وقد يُثبت الهجوم على الدوحة في نهاية المطاف أنه نقطة تحول، تُبلور الشعور بأن النظام الإقليمي التقليدي آخذ في التفكك، وأن سيادة الشركاء غالباً ما تُضحى بها باسم الأمن، مما يترك السؤال فقط: كيف، وليس ما إذا كانت دول الخليج ستقاوم؟
المصدر: The Guardian
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب