اخر الاخبار
انتخابات رئاسية مبكرة في تركيا.. ما السيناريوهات المحتملة؟

تمثل الانتخابات المبكرة على رئاسة تركيا، مطلباً أساسياً لحزب الشعب الجمهوري المعارض، الذي لا يريد الانتظار حتى موعدها المقرر عام 2028، بينما تُعتبر خياراً للحكومة ورئيسها رجب طيب أردوغان، الذي يرفض اللجوء له حتى الآن.
وبدءاً من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المُقبل، يتيح الدستور التركي إجراء انتخابات برلمانية فرعية مبكرة بعد مرور 30 شهراً على انتخابات شهر مايو/أيار لعام 2023، والتي أفضت لفوز أردوغان بالرئاسة على حساب منافسه من حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو.
مواقف ثابتة
كشفت مواقف اليومين الماضيين الرسمية عن تمسك طرفي الأزمة السياسية في تركيا، الحكومة والمعارضة، بمواقفهما ذاتها التي تكررت منذُ شهر آذار/مارس الماضي، حيث يدعو حزب الشعب، وهو أكبر حزب معارض، لانتخابات مبكرة ترفضها الحكومة بدورها.
وخلال افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان التركي، الأربعاء، جدد الرئيس أردوغان موقفه الرافض لإجراء انتخابات، مشيراً لكونه الرئيس المنتخب، وسيواصل مهامه وصلاحياته طوال 5 سنوات بتفويض من الشعب.
وجاء حديث أردوغان بعد يومين فقط من دعوة جديدة لزعيم حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، لإجراء انتخابات مبكرة يريد أن تجري في الـ2 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر المُقبل، لكنه طرح خياراً آخر للحكومة، وقال إنه لا يمانع تأجيلها إلى ربيع العام القادم إذا اختارت الحكومة ورئيسها أردوغان ذلك.
سيناريوهات متعددة
وطالب حزب الشعب الجمهوري منذ اعتقال رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، المنتمي له، في شهر آذار/مارس الماضي، بتهم فساد وقضايا أخرى، بالانتخابات المبكرة بعدما رد بحدة على ذلك الاعتقال الذي طال مرشحه للمنافسة في أي انتخابات رئاسية مقبلة.
ومنذ ذلك الحين، نجح الحزب بالفعل في تنظيم احتجاجات ميدانية حاشدة، مناهضة لقرار الاعتقال، ومطالبةً بإجراء انتخابات مبكرة رداً على اعتقال إمام أوغلو الذي بدا بالفعل منافساً قوياً بعدما فاز في دورتين انتخابيتين متتاليتين برئاسة بلدية إسطنبول في 2019 و2024.
وأقيمت أهم تلك الاحتجاجات في إسطنبول ذاتها، واستمرت أياماً عقب سجن إمام أوغلو، وبدت خياراً وورقة سياسية قوية للحزب المعارض في سعيه لإجبار الحكومة على إجراء انتخابات مبكرة بالنظر لمكانة إسطنبول السياسية والاقتصادية بعدد سكانها الكبير البالغ 16 مليون نسمة.
خيارات أخرى
لجأ حزب الشعب المعارض بعد تنظيم عدة احتجاجات ميدانية لأنصاره، لسيناريو ضغط آخر، تمثل في حملة توقيع في جميع أنحاء تركيا، مثلت استفتاءً غير رسمي يطالب بإجراء انتخابات مبكرة والإفراج عن إمام أوغلو.
كما دأب الحزب على تنظيم تجمعات لأنصاره في المدن التركية، يحضر كثير منها زعيم الحزب أوزغور أوزيل، بينما يواصل وباقي مسؤولي الحزب الظهور الإعلامي في محطات التلفزة والحديث للصحف المحلية والتواجد في مواقع التواصل الاجتماعي لإبقاء مطالبه نشطة.
وفي خطوة تكتيكية، طرح أوزيل الأسبوع الماضي، اسم رئيس بلدية أنقرة، منصور يافاش، ليكون المرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية التي يطالب بها في حال لم تفرج السلطات عن إمام أوغلو، الذي قد يواجه العزل السياسي بسبب محاكمته في عدة قضايا تتعلق إحداها بقانونية شهادته الجامعية.
ورغم شعبية يافاش الذي فاز العام الماضي بفارق كبير في انتخابات بلدية أنقرة على حساب مرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، فإن إمام أوغلو هو الخيار المفضل لحزب الشعب الذي يأمل أن تنتهي التحقيقات التي لم تدنه بعد، بالإفراج عنه قبل الانتخابات التي يطالب بتنظيمها.
التصعيد الأكبر
يمتلك حزب الشعب الجمهوري، خياراً لوح به مسؤولوه سابقاً ولم يستخدموه بعد، وهو استقالة عدد من النواب التابعين له من البرلمان، بما يمثل شغور 5% من مقاعد البرلمان (30 مقعدًا من أصل 600)، ما يتيح قانونياً إجراء انتخابات برلمانية فرعية لملئ تلك الشواغر.
ويعزز ذلك الخيار فيما لو تحقق، من موقف حزب الشعب وقدرته على فرض إجراء انتخابات رفضتها الحكومة سابقاً، رغم كونها برلمانية فرعية وليست رئاسية كما يطالب.
لكن الموافقة على تلك الاستقالة، بيد الأغلبية البرلمانية المؤلفة من حزب العدالة والتنمية الحاكم وحليفه حزب الحركة القومية (315 مقعداً)، ما يعرقل ذلك الخيار لحزب الشعب (127 مقعداً)، لكنه قد يدفع مسؤوليه للجوء إلى احتجاجات الشارع مجدداً.
وانتقدت الحكومة احتجاجات الشارع التي تصفها بالفوضى، وتشهد على الدوام اشتباكات بين المحتجين والشرطة، وتنتهي بإصابات واعتقالات ومحاكمات تثير بدورها جدلاً وردود فعل حول الحريات السياسية.
لكن حزب الشعب استطاع أن يتجنب أيا من تلك التداعيات في آخر احتجاج نظمه قبل نحو أسبوعين، عندما تجمع أنصاره أمام مقره في إسطنبول الذي طوقته الشرطة التركية لتنفيذ حكم قضائي يتعلق بتعيين وصي من الحزب ذاته بدلاً من رئيس الفرع المنتخب.
تقدم المعارضة
يستند الحزب في جانب من مطالبه بالانتخابات المبكرة، إلى نتائج استطلاعات للرأي، تشير إلى تقدمه على حزب العدالة والتنمية الحاكم، ويقول إن رفض الحكومة للانتخابات هو بسبب خشيتها من الخسارة بعد نتائج تلك الاستطلاعات التي يشكك أو يقلل من أهميتها الحزب الحاكم.
وتدعم نتائج انتخابات بلدية إسطنبول عام 2024، ذلك الاعتقاد، حيث قدم أردوغان ذاته من رئاسة بلدية كبرى مدن البلاد نحو رئاسة تركيا، بينما تواجه حكومته في السنوات القليلة الماضية تحديات اقتصادية انعكست بشكل رئيس في ارتفاع مستوى التضخم الذي أرهق كاهل الأسر التركية.
ويطرح حزب الشعب الجمهوري نفسه بديلاً قادراً على إنعاش الاقتصاد ورفع مستوى معيشة الفقراء، بينما يركز بشكل كبير في خطابات مسؤوليه على عدم شرعية الحكومة الحالية وتهديدها للديمقراطية وانقلابها على حزب الشعب المعارض بسبب شعبيته المتزايدة.
خيار مستبعد للحكومة
رغم كون الانتخابات المبكرة، تعد خياراً للرئيس أردوغان، يتيح له الترشح للرئاسة مجدداً بينما لم يعد بإمكانه ذلك بعد نهاية فترة رئاسته الحالية والثانية، إلا أنه تمسك على الدوام بموعد الانتخابات في العام 2028.
ويقول أردوغان وحكومته وحلفاؤه إن البلاد بحاجة لاستقرار سياسي والتفرغ للملف الداخلي والقضايا الإقليمية، حيث تنخرط البلاد منذ العام الماضي في عملية سلام مع حزب العمال الكردستاني بعد صراع مسلح مستمر منذ أكثر من 4 عقود.
دعم سياسي كبير
وتبدو أحزاب رئيسة كثيرة داعمة لتلك العملية التي وصلت لمراحل جوهرية في بنود حل حزب العمال وإلقاء السلاح ومصير مقاتليه وقضايا تتعلق بالأكراد في تركيا وإمكانية إدخال لغتهم للتعليم في تركيا.
ويدعم حزب الديمقراطية والعدالة للشعوب، أكبر الأحزاب الممثلة للأكراد، تلك العملية، ما يجعل منهم أقرب لدعم الاستقرار الحكومي بعدما اصطفوا في الانتخابات الماضية في جانب حزب الشعب الجمهوري الذي يظل قادراً بمفرده على اللجوء للشارع مستعيناً بقاعدته الشعبية الكبيرة.
ويشير أردوغان على الدوام إلى وجود انقسام وتنافس داخل حزب الشعب الجمهوري، بينما ترفض حكومته الاتهامات الموجهة لها، وتنفي أي دور لها في اعتقال إمام أوغلو ورؤساء بلديات آخرين تابعة للحزب، وتقول إنها من اختصاص القضاء وبتهم فساد وقضايا أخرى يجري التحقيق فيها.
ويحتاج أردوغان إذا قرر إجراء انتخابات مبكرة قبل انتهاء ولايته في شهر يونيو/حزيران عام 2018، موافقة 360 من نواب البرلمان على الطلب، وهو عدد لا يملكه تحالفه الحالي مع حزب الحركة القومية، لكن البلاد تدرس تغيير الدستور حالياً، ما قد يضع قواعد سياسية جديدة.