الاقتصاد التركي
الغرامات والسجن.. عقوبات قاسية على أصحاب العمل غير المسجل في تركيا
تشهد تركيا خلال عام 2025 موجة تشديد تشريعي ورقابي واسعة على العمالة غير الرسمية، خصوصًا الأجانب الذين يعملون دون عقود أو تصاريح عمل. ويأتي هذا التوجه في إطار خطة حكومية تهدف إلى مكافحة “الاقتصاد الموازي” وتعزيز الضمان الاجتماعي، لكنه يثير في الوقت ذاته قلق الجاليات العربية المقيمة في البلاد، حيث يعمل عدد كبير من أفرادها في قطاعات يكثر فيها التشغيل غير النظامي مثل البناء والمطاعم والزراعة والخدمات.
ما المقصود بالعمالة غير الرسمية؟
تُعرّف السلطات التركية العمالة غير الرسمية بأنها أي عمل لا يتم تسجيله لدى مؤسسة الضمان الاجتماعي (SGK)، أو يجري دون تصريح عمل وإقامة قانونيَّين، أو من خلال اتفاقات مؤقتة لا تستوفي الشروط القانونية.
وتتضمن أبرز صورها:
عدم تسجيل العامل في نظام التأمين الاجتماعي.
غياب التصريح الرسمي من وزارة العمل.
العمل بنظام “اليومي” أو عبر مقاولين فرعيين دون عقد مكتوب.
ويُعرّض هذا الوضع العمال الأجانب لمخاطر كبيرة، تشمل الترحيل وفقدان الحقوق القانونية وعدم الحصول على الأجور المتأخرة.
لوائح جديدة تُحمّل أصحاب العمل مسؤولية مالية
في يوليو 2025، أصدرت الحكومة التركية لائحة جديدة بعنوان:
“تنظيم استرداد مصاريف مختلفة من أصحاب العمل الذين يعمل لديهم أجانب تم ترحيلهم بسبب العمل غير المصرّح به”.
وتنصّ اللائحة على:
تحميل صاحب العمل تكاليف إقامة العامل في مراكز الترحيل ومصاريف السفر والإجراءات الطبية.
منحه مهلة 30 يومًا لسداد المبالغ المطلوبة، قبل تحويلها إلى الديون العامة.
تطبيق كامل للائحة بعد فترة انتقالية تنتهي في يناير 2026.
ويُعد هذا القرار جزءًا من سياسة أوسع لتقليص العمالة المخالفة وإجبار الشركات على تسجيل موظفيها رسميًا.
شروط أكثر صرامة لتصاريح العمل
تُراجع وزارة العمل التركية منذ مطلع العام طلبات تصاريح العمل بدقة أكبر، حيث يُشترط أن يكون لدى الشركة عدد محدد من الموظفين الأتراك قبل السماح بتوظيف أجنبي، إلى جانب الالتزام بحد أدنى للأجور وفق القانون.
وتشير بيانات الاتحاد الأوروبي لعام 2025 إلى أن الاقتصاد غير الرسمي ما يزال يشكّل نسبة معتبرة من سوق العمل التركي، بما في ذلك بين المهاجرين واللاجئين.
الجاليات العربية.. الفئة الأكثر تأثرًا
يُعدّ العمال العرب من بين أكثر الفئات عرضة للتأثر باللوائح الجديدة، نظرًا لانتشارهم في قطاعات منخفضة التنظيم، حيث يفتقر الكثير منهم لتصاريح عمل أو تأمين اجتماعي.
وفي ظل القوانين الجديدة، سيتحمّل أصحاب العمل المسؤولية القانونية والمالية في حال تشغيل أجانب دون ترخيص، ما قد يدفع بعضهم إلى تسريح هؤلاء العمال أو إنهاء عقودهم غير النظامية.
المخاطر القانونية والإنسانية
ترحيل العامل ومنعه من دخول تركيا لمدد قد تصل إلى خمس سنوات.
غرامات مالية على أصحاب العمل ومطالبات بتسديد تكاليف ترحيل العامل.
فقدان الحقوق العمالية والتعويضات، وعدم القدرة على المطالبة بالأجور.
انعكاسات أسرية تشمل فقدان الإقامة أو صعوبات في التعليم والرعاية الصحية.
توصيات وتحذيرات
يحذر خبراء العمل من أن تجاهل هذه الإجراءات قد يؤدي إلى تداعيات قاسية على الجاليات العربية، مطالبين العمال بتسوية أوضاعهم القانونية في أقرب وقت، وأصحاب الأعمال بتسجيل الموظفين لدى SGK وتوقيع عقود عمل رسمية.
كما يُنصح المستثمرون والعمال بتجنّب أي اتفاقات غير موثقة، إذ قد تبدو أقل كلفة حاليًا، لكنها تحمل مخاطر مالية وقانونية كبيرة بعد عام 2026.
تداعيات اقتصادية
يرى محللون أن هذا التوجّه يعكس رغبة الحكومة التركية في تعزيز الشفافية المالية وزيادة عوائد التأمين الاجتماعي، لكنه في المقابل قد يؤدي إلى خروج بعض العمالة الأجنبية من السوق أو انتقالها إلى قطاعات أكثر هشاشة، ما يفاقم التحديات المعيشية للجاليات.
