سوريا اليوم
“رويترز”: وثائق سرية تكشف خطة “مارشال” إيرانية في سوريا

كشفت وثائق سرية حصلت عليها وكالة “رويترز” من السفارة الإيرانية المنهوبة في دمشق عن طموحات إيرانية واسعة النطاق لبناء نفوذ اقتصادي وسياسي وثقافي عميق في سوريا، مستلهمة في ذلك “خطة مارشال” الأمريكية لإعادة إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
وبحسب هذه الوثائق، كانت طهران تنظر إلى عملية إعادة إعمار سوريا كفرصة استثمارية ضخمة تقدر بنحو 400 مليار دولار، وتسعى من خلالها إلى ترسيخ ما وصفته بـ”إمبراطوريتها الإقليمية”. وتضمنت الوثائق عقودًا ورسائل وخططًا للبنية التحتية، كاشفة عن الأهداف الاقتصادية والدينية لإيران داخل الأراضي السورية.
إلا أن هذه المخططات الطموحة انهارت بشكل كامل مع سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر (كانون الأول) 2024 على يد فصائل معارضة مدعومة إقليميًا، وفرار الأسد إلى روسيا. وقد أدى هذا التطور إلى انسحاب متعجل للقوات الإيرانية والشركات التابعة للحرس الثوري من سوريا.
مشاريع ضخمة عالقة وخسائر فادحة:
نتيجة لهذا الانهيار، توقفت مشاريع استراتيجية كانت إيران تخطط لتنفيذها، مثل محطة طاقة في اللاذقية بتكلفة 411 مليون يورو، وجسر سكك حديدية فوق نهر الفرات بقيمة 26 مليون دولار، وبعض هذه المشاريع تعرض للتدمير في غارات نفذها التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وتشير الوثائق إلى أن إيران تطالب بمبالغ لا تقل عن 178 مليون دولار كتعويضات عن مشاريعها المتعثرة.
عقبات واجهت الطموحات الإيرانية:
استهدفت الخطة الإيرانية، التي قادها القيادي في الحرس الثوري عباس أكبرى، تعويض تكلفة الحرب التي دعمت فيها نظام الأسد، وفتح أسواق جديدة للتجارة الإيرانية، وتعزيز نفوذ طهران داخل النظام السوري. لكن هذه الطموحات اصطدمت بعقبات كبيرة، بدءًا من الفساد المستشري في سوريا وضعف أداء الكوادر الإيرانية، وصولًا إلى الأزمات المالية التي تعاني منها إيران والعقوبات الدولية المفروضة عليها والتدهور الأمني المستمر في سوريا.
كما كشفت الوثائق عن تكبد شركات إيرانية كبرى مثل “مبنا” و”كابر وورلد” خسائر فادحة في مشاريعها السورية. وفي بعض المراسلات، اقترح أكبرى التعاون مع ما وصفه بـ”مافيات الاقتصاد السوري” لضمان تنفيذ المشاريع، مما يعكس حجم التحديات التي واجهت إيران في بيئة معقدة وفاسدة.
تراجع النفوذ الإيراني وتفضيل دمشق لروسيا:
على الرغم من ضخ إيران مليارات الدولارات في سوريا منذ عام 2011 على شكل قروض واستثمارات، إلا أن النظام السوري فضل في نهاية المطاف منح العقود الكبرى لمشاريع إعادة الإعمار إلى روسيا ودول عربية وأوروبية أخرى. وقد عكس هذا التوجه تراجعًا واضحًا في ثقة دمشق بطهران، التي كانت تعتبر حليفًا رئيسيًا لها خلال سنوات الحرب.
ضربة لـ”محور المقاومة” وصعود الخصوم:
سمح سقوط نظام الأسد بعودة خصوم إيران الإقليميين إلى المشهد السوري، مثل إسرائيل وتركيا، مما شكل ضربة قوية لما يُعرف بـ”محور المقاومة” الذي تقوده طهران. كما تعرضت السفارة الإيرانية ومراكز ثقافية مرتبطة بإيران في دمشق للنهب والتدمير، بالإضافة إلى اغتيال عدد من كبار قادة الحرس الثوري على الأراضي السورية.
حدود الطموحات الإيرانية:
وبحسب “رويترز”، فإن هذا الانهيار لم يكن مكلفًا من الناحية الاقتصادية لإيران فحسب، بل أظهر أيضًا حدود طموحاتها الإقليمية في غياب الشرعية الشعبية والدعم الدولي لمشروعها في سوريا.
مستقبل سوريا بعد الانسحاب الإيراني:
في ظل الفراغ الذي خلفه الانسحاب الإيراني، بدأت قوى المعارضة السورية السابقة العمل على إعادة بناء دولة ديمقراطية جامعة، على الرغم من وجود مخاوف لدى بعض السوريين من المشكلات التي قد تهدد المشهد السياسي والاجتماعي في المرحلة المقبلة.