Connect with us

تركيا الآن

لماذا لا تتوقف الزلازل في تركيا؟.. قراءة علمية على ضوء زلزال باليكسير الأخير

Published

on

لماذا لا تتوقف الزلازل في تركيا؟.. قراءة علمية على ضوء زلزال باليكسير الأخير

مساء الأحد، وفي تمام الساعة السابعة و53 دقيقة، اهتزت ولاية باليكسير في شمال غربي تركيا على وقع زلزال بلغت شدته 6.1 درجة على مقياس ريختر، شعر به السكان في إسطنبول على بُعد نحو 200 كيلومتر.

وأكدت هيئة إدارة الكوارث والطوارئ التركية أن مركز الزلزال كان في منطقة سنديرجي، بينما ذكرت صحيفة “حرييت” أن سكان المحافظات المجاورة شعروا بالهزة.

زلزال تركيا أمس - VolcanoDiscovery

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صرح بأن “جميع مؤسسات الدولة تحركت منذ اللحظة الأولى”، في حين أكد وزير الداخلية علي يرلي كايا عدم وجود خسائر بشرية حتى الآن، مع انهيار مبنى واحد على الأقل وفق وسائل الإعلام المحلية.

هذا الحدث، وإن بدا محدود الخسائر، يعيد السؤال الذي يفرض نفسه مع كل هزة أرضية تشهدها البلاد: لماذا تتعرض تركيا للزلازل باستمرار؟

تاريخ من الكوارث المدمرة

موقع تركيا النشط تكتونيًا جعلها مسرحًا لزلازل كبرى عبر التاريخ الحديث.

في ديسمبر 1939، ضرب زلزال مدمر مدينة أرزينجان شرق البلاد بقوة 7.8 درجة، أودى بحياة أكثر من 30 ألف شخص. تبعته زلازل مميتة، مثل كارثة 1976 في ولاية فان التي خلفت أكثر من 4 آلاف ضحية.

اقرأ المزيد: كيف أثرت الزلازل على أسعار المساكن في تركيا؟ الأرقام الحالية لأرخص وأغلى المدن

لكن الأكثر فتكًا كان زلزال إزميت عام 1999 بقوة 7.4 درجة، الذي قتل أكثر من 17 ألفًا وجرح عشرات الآلاف.

وبحسب بيانات هيئة الطوارئ التركية، شهدت تركيا وحدها أكثر من 22 ألف زلزال في عام 2022، ما يوضح أن النشاط الزلزالي ليس استثناءً بل قاعدة في هذه المنطقة من العالم.

خطوط الصدع القاتلة

تتوزع الطاقة الزلزالية في تركيا على صدعين رئيسيين: صدع شمال الأناضول، الذي يمتد بطول البلاد تقريبًا ويفصل الصفيحة الأناضولية عن الأوراسية، وهو صدع انزلاقي نشط جدًا.

صدع شرق الأناضول، الذي يفصل الصفيحة الأناضولية عن العربية، ويتحرك بمعدل انزلاق بين 6 و10 مليمترات سنويًا، دافعًا الكتلة الأناضولية ببطء نحو الغرب، باتجاه البحر المتوسط.

منذ عام 1939 وحتى 1999، تمزق صدع شمال الأناضول بالكامل تقريبًا من الشرق إلى الغرب في سلسلة زلازل متتابعة.

ولم يتبقَ غير مقطع واحد لم يتمزق بعد، وهو المقطع المار تحت بحر مرمرة، على بعد مسافة خطيرة من إسطنبول، ما يجعل المدينة مهددة بزلزال كبير في المستقبل القريب.

السبب الجوهري وراء كثافة النشاط الزلزالي في تركيا هو موقعها الجغرافي الفريد – أو بالأحرى الخطير – عند التقاء ثلاث صفائح تكتونية كبرى.

أولها هي الصفيحة الأناضولية التي تغطي معظم مساحة تركيا، والصفيحة الأوراسية في الشمال، والصفيحة الأفريقية في الجنوب، بالإضافة إلى الصفيحة العربية الأصغر في الجنوب الشرقي.

صفائح تركيا التكتونية - ويكيبيديا

هذه الكتل القشرية الضخمة المكوِّنة للغلاف الصخري للأرض في حركة دائمة، تصطدم، وتندس تحت بعضها البعض، وتنزلق أحيانًا بمحاذاة بعضها على خطوط صدع هائلة.

عندما تنحشر الصفائح نتيجة الاحتكاك، تتراكم الطاقة الجيولوجية لسنوات أو عقود، وما إن تتحرر فجأة حتى تطلق كميات هائلة من الطاقة على شكل اهتزازات أرضية، أو حتى أمواج تسونامي إذا وقع التصادم تحت الماء.

الهزات المتتالية

الزلازل ليست أحداثًا معزولة بالضرورة، إذ يمكن أن يؤدي زلزال كبير إلى تغيير توزيع الضغط على الصدوع المجاورة، فيقربها من لحظة الانكسار.

يُعرف ذلك بـ”التحفيز الساكن”، حيث يتسبب الزلزال في إعادة تنظيم الإجهادات في القشرة الأرضية، ممهِّدًا الطريق لزلازل لاحقة.
وهناك أيضًا “التحفيز الديناميكي”، حيث تؤدي الموجات الزلزالية القوية إلى إضعاف المواد الحبيبية داخل الصدع البعيد، فينزلق فجأة حتى من دون أن يكون قريبًا من حد الانكسار.

رُصدت هذه الظاهرة بعد زلازل كبرى في كاليفورنيا وشيلي، إذ حدثت زلازل صغيرة أو انزلاقات بطيئة على بعد آلاف الكيلومترات من مركز الزلزال الأصلي.

على الرغم من إدراك تركيا منذ عقود لمخاطر موقعها الجغرافي، فإن جزءًا كبيرًا من المباني في مناطقها الحضرية لم يُشيّد وفق معايير مقاومة الزلازل.

تقرير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) أشار إلى أن حجم الدمار في زلازل تركيا لا يرتبط فقط بقوة الزلزال، بل أيضًا بضعف البنية التحتية. فحتى لو أُخلِي السكان قبل الكارثة، فإن انهيار المباني سيظل مأساة إنسانية ضخمة.

هل يمكن التنبؤ بالزلزال المقبل؟

على الرغم من التقدم في فهم ديناميات الصفائح الصخرية، فإن التنبؤ الدقيق بموعد الزلزال ما زال خارج القدرة العلمية.

لكن علماء الزلازل يجمعون على أن المقطع غير الممزق من صدع شمال الأناضول تحت بحر مرمرة هو الأخطر حاليًا، وأنه يقترب تدريجيًا من لحظة الانكسار.

تركيا، بحكم موقعها الجغرافي، محكومة بالعيش مع خطر الزلازل، فالتقاء الصفائح الثلاث، والنشاط المستمر على صدعي شمال وشرق الأناضول، والتاريخ الحافل بالكوارث، كلها تجعل الهزات الأرضية أمرًا متكرر الحدوث.

ومع أن العلم لا يستطيع منع وقوعها، فإن تحسين معايير البناء، ورفع الوعي المجتمعي، والاستعداد الدائم، تبقى الأسلحة الأهم لتقليل الخسائر حين تقع الكارثة التالية – لأنها ستقع حتمًا، عاجلًا أو آجلًا.

فيسبوك

Advertisement